كشف تقرير صادر عن البنك الدولي في يونيو 2025 بعنوان “الهشاشة ومناطق النزاع” عن واقع مقلق يُغفله الرأي العام غالباً: 39 دولة توقفت عن النمو الاقتصادي منذ عام 2010، حيث لم يشهد الناتج المحلي الإجمالي فيها أي تطور، بل شهد انهياراً في فرص الاستثمار، وتدهوراً في مؤسسات الدولة، وتراجعاً في جودة التعليم والرعاية الصحية. ولفت التقرير إلى أن هذه الدول قد تحتضن بحلول عام 2030 نحو 60% من فقراء العالم إذا لم تُتخذ خطوات جادة لتحسين الوضع.
الوضع في هذه الدول لا يُوصف ببساطة بأنه ركود مؤقت، بل هو حالة من الجمود المزمن تشبه توقف الزمن عند لحظة الانهيار الأولى. مع مرور السنوات، لا يبقى الاقتصاد ثابتاً فحسب، بل ينكمش، وتتدهور البنية التحتية، ويتفشى الفقر، وتتآكل الثقة بالمستقبل. تحولت الأزمات من قضايا سياسية قابلة للحل إلى واقع معيش يومي يصعب التخلص منه.
هذا الوضع ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة لسنوات من النزاعات المسلحة، وانهيار المؤسسات، والتدخلات الخارجية، وانتشار الفساد، وإدارة ضعيفة للموارد. وقد ساهمت أزمات عالمية مثل جائحة كوفيد-19، والتوترات الطائفية في المنطقة العربية، والحرب الروسية الأوكرانية، في تفاقم الوضع من خلال زيادة التضخم واضطراب سلاسل الإمداد.
الحكومات في هذه الدول تفتقر إلى الأدوات والموارد اللازمة لمواجهة الصدمات، بينما تبقى الاقتصادات هشة وتعتمد على الاستيراد أو الدعم الخارجي. ووفقاً للتقرير، تتفاقم معدلات الفقر بوتيرة أسرع من أي مكان آخر في العالم، وتتراجع القدرة الشرائية، وتنهار الخدمات الأساسية، ويضطر ملايين الناس للعيش على المساعدات الإنسانية، ويظهر الجوع الحاد في أماكن مثل السودان واليمن.
الوضع لا يقتصر على الفقر المادي فحسب، بل يُعمق الانقسامات الاجتماعية، ويقلص رأس المال الاجتماعي، ويزيد الشعور بالتهميش. ولا يُمكن فصل هذا الواقع عن غياب العدالة في توزيع الموارد الدولية، وفشل النماذج التقليدية للتدخل الخارجي. المساعدات قصيرة الأمد لا تُعيد بناء اقتصاد، والمؤتمرات السياسية لا تُعيد الثقة بين الدولة والمواطن.
ما تحتاجه هذه الدول هو خطة تنمية شاملة تُركّز على استعادة الاستقرار السياسي، وإعادة بناء المؤسسات، وتوفير فرص عمل للشباب. كما يجب أن يُشارك المجتمع المحلي، والمرأة، والقطاع الخاص في عمليات الإنعاش، وليس كجزء شكلي.
الوضع أكثر تعقيداً في بعض الدول التي لم تتمكن من الانتقال إلى مرحلة “ما بعد الحرب”، مثل ليبيا ولبنان والسودان، حيث تستمر الانقسامات السياسية في منع أي تقدم اقتصادي حقيقي.
رغم ذلك، تُظهر تجارب دول مثل رواندا وفيتنام وكولومبيا أن التعافي ممكن، لكنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية وشراكات فعّالة ورؤية بعيدة المدى.
العالم العربي يسير على مسارين متعاكسين: بينما تحقق دول الخليج نمواً اقتصادياً لافتاً، تستمر دول أخرى في التدهور. هذا التفاوت يُهدد الاستقرار الإقليمي من خلال زيادة الفقر والهجرة.
على الرغم من المساعدات الخليجية الكبيرة، هناك حاجة إلى إعادة النظر في العلاقة بين التنمية والأمن، لأن غياب النمو يُضعف قدرة الدول على مواجهة التطرف ويُعزز نفوذ الجماعات المسلحة.
إذا لم تُعاد صياغة المقاربات السياسية والتنموية، فإن هذه الدول ستظل عالقة في الزمن، محكومة بالركود والهشاشة، وكل عام إضافي من الجمود يعني جيلاً جديداً من الأطفال خارج المدارس، وملايين الشباب بلا أمل، ومجتمعات مُهيأة للانفجار.
— News Original —
من الركود إلى الهشاشة: الدول التي توقف فيها الزمن الاقتصادي : CNN الاقتصادية
كشف تقرير البنك الدولي الصادر في يونيو 2025 تحت عنوان “الهشاشة ومناطق النزاع” عن حقيقة صادمة قلما يتوقف عندها الرأي العام العالمي: 39 دولة توقفت عن النمو الاقتصادي منذ عام 2010، دول لم يراوح فيها الناتج المحلي الإجمالي مكانه فحسب، بل انهارت فيها فرص الاستثمار، وتفككت فيها مؤسسات الدولة، وتراجع فيها التعليم والصحة إلى أدنى مستوياتهما، ما يثير القلق أكثر أن من بين هذه الدول ثماني دول عربية، في مقدمتها لبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا والصومال وفلسطين، ويقدّر التقرير أن هذه الدول ستضم بحلول عام 2030 ما يقارب 60% من فقراء العالم، إذا لم تحدث تحولات كبرى في المسار التنموي أو في الاستجابة الدولية.
ما تعانيه هذه الدول لا يمكن وصفه بركود اقتصادي مؤقت، بل هو حالة من الجمود المزمن الذي يشبه تجمّد الزمن عند لحظة الانهيار الأولى، فالسنوات تمر، والاقتصاد لا يتحرك، بل يتراجع، تتآكل البنية التحتية، ويتفشى الفقر، وتفقد المجتمعات ثقتها بالمستقبل، لقد تحوّلت الأزمات من ملفات سياسية قابلة للحل إلى أنماط حياة قسرية يعتادها المواطنون في ظل غياب أي أفق للتغيير.
هذا الواقع لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج سلسلة طويلة من التراكمات؛ نزاعات مسلحة داخلية، انهيار مؤسسات الدولة، تدخلات خارجية، منظومات فساد مزمنة، وسوء إدارة للموارد، وقد فاقمت الأزمات العالمية من تأثير هذه العوامل، من جائحة كوفيد-19 والهلال الطائفي في المنطقة العربية إلى الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من تضخم عالمي واضطرابات في سلاسل الإمداد، في هذه الدول لا تملك الحكومات الأدوات ولا الموارد لمواجهة الصدمات، في حين أن البنى الاقتصادية هشّة بطبيعتها وتعتمد على الاستيراد أو الدعم الخارجي.
النتائج الاجتماعية لهذه الديناميكية كارثية، بحسب التقرير تتفاقم معدلات الفقر في هذه الدول بوتيرة أسرع من أي مكان آخر في العالم؛ تتراجع القدرة الشرائية، وتنهار الخدمات الأساسية، ويضطر ملايين الناس للاعتماد على المساعدات الإنسانية للبقاء، وتظهر حالات الج hunger الحاد بشكل واسع، لا سيما في السودان واليمن، بينما يتحول النزوح الداخلي إلى سمة ديموغرافية ثابتة. وهذا التدهور لا يقف عند حدّ الإفقار المادي، بل يتعدّاه إلى تعميق الاستقطاب المجتمعي، وتآكل رأس المال الاجتماعي، وازدياد الإحساس بالهامشية والتهميش.
من ناحية أخرى، لا يمكن فصل هذا الواقع عن غياب العدالة في توزيع الموارد الدولية، وفشل نماذج التدخل التقليدية، فالمساعدات قصيرة الأمد لا تبني اقتصاداً، والمؤتمرات السياسية لا تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، ما تحتاج إليه هذه الدول هو خطة تنمية متكاملة ترتكز على استعادة الاستقرار السياسي، وإعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية، وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب، كما أن إشراك المجتمعات المحلية، والنساء، والقطاع الخاص المحلي في عمليات الإنعاش يجب أن يكون جزءاً من أي تصور مستقبلي، وليس مجرد ملحق رمزي.
ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن بعض الدول الخارجة من النزاعات لم تتمكن من الانتقال إلى مرحلة “ما بعد الحرب”، بل ظلت عالقة بين هدنة هشة واقتصاد مشلول؛ ففي ليبيا مثلاً، رغم الثروات النفطية، لا تزال الانقسامات السياسية تمنع بلورة سياسة اقتصادية موحّدة، وفي لبنان لم ينجح النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية في إعادة الثقة أو إطلاق دورة إصلاح جادة، فظلت البلاد عالقة في أسوأ أزمة مالية في تاريخها الحديث، وفي السودان، فشلت الانتقالية في تجنب الانهيار الشامل، بعد أن تمزّقت الدولة بين أطراف متحاربة.
من اللافت أن هذه الدول لا تفتقر إلى الموارد الطبيعية أو البشرية، بل تفتقر إلى المؤسسات الرشيدة، ما يُبرز أن التنمية لا تبدأ من الأموال، بل من الحكم الرشيد، فالمقارنة بدول أخرى كرواندا أو فيتنام أو حتى كولومبيا، التي عانت بدورها من نزاعات طويلة لكنها تمكّنت من بناء نماذج إصلاح حقيقي، تبيّن أن الطريق ممكن لكنه شاق ويتطلب تحوّلاً حقيقياً في العلاقة بين الدولة والمجتمع.
العالم العربي يبدو في هذه اللحظة كأنه يسير في مسارين متناقضين، فبينما تنجح دول الخليج في تعزيز مكانتها كمراكز مالية واستثمارية متقدمة وتحقق معدلات نمو تفوق التوقعات، تتهاوى اقتصادات عربية أخرى تحت وطأة الحروب والتجاذبات والصراعات، هذا التفاوت لا يمكن أن يستمر دون تكلفة إقليمية، لأنه يعني اتساع فجوة الفقر، وتفاقم الهجرة، وتهديد الاستقرار الإقليمي.
لكن المسؤولية لا تقع على المجتمع الدولي وحده، فدول الخليج العربية أصبحت اليوم أحد أبرز المصدرين للتنمية والاستقرار في المنطقة، من خلال مساعدات اقتصادية وإنسانية مباشرة للدول الهشة، فقد أسهمت الإمارات والسعودية والكويت وقطر في دعم اقتصادات بلدان مثل سوريا والسودان واليمن ولبنان وغيرها، عبر حزم تمويل وإعفاءات نفطية ودعم لاحتياطيات العملات الأجنبية، إضافة إلى تمويل مشروعات تنموية في قطاعات البنية التحتية والصحة والتعليم، هذه المساهمات الخليجية، وإن كانت حيوية في لحظات الأزمات، إلا أن هناك حاجة ملحة لتلك الدول في إعادة تعريف العلاقة بين التنمية والأمن، فغياب النمو لا يؤدي فقط إلى الجوع والفقر، بل يُضعف قدرة الدول على منع التطرّف والعنف، ويعزز من نفوذ الجماعات الخارجة عن القانون، وهذا لا يُهدد هذه الدول وحدها، بل يمتد إلى المناطق المجاورة، ويخلق أزمات لجوء وهجرة وتوترات عابرة للحدود.
في الخلاصة، ما لم تتغيّر المقاربات وتُعاد صياغة العلاقة بين السياسة والتنمية، فإن هذه الدول ستظل عالقة في الزمن، محكومة بالركود، ومحاصرة بالهشاشة، والوقت لم يعد في صالح أحد، فكل عام إضافي من الجمود يعني جيلاً جديداً من الأطفال خارج المدارس، وملايين من الشباب بلا أمل، ومجتمعات مهيأة للانفجار أو الانهيار، إعادة الزمن الاقتصادي إلى الدوران في هذه الدول ليست مهمة مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة جادة، وشراكات مرنة، ورؤية لا تخاف من كسر الأنماط القديمة، بل تتجرأ على إعادة رسم العلاقة بين الاقتصاد والأمل.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.